مقالة متميزة للكاتب محمد رفيع نشرت في جريدة الرأي الأردنية
و تم نقل نسخة للمنتدى من أرشيف الكاتب في وكالة عمون الإخبارية
رخوياتمحمد رفيع
[2007-08-10]
ذاهلٌ ينتمي إلى ذاهلين. لم يتبق منهم سواه. إن خاطبته بلغة عاطفية يسبقك
إلى البكاء ساخرٌ، متهكمٌ، وبليد أيضاً. ان لم يجد أحداً، أو فكرة،
للتهكم، يصلب ذاته نيشاناً للتصويب.
الانهيار فيه لا يستقيم كفعل ماضٍ. انه منهارٌ ينهار. خواءٌ تذوب مادته
الأولى، وتذوي. لم يتبق منه سوى قشرة، تقي الذوبان من التوقف عن
الاستمرار. ذوبان لم يبق من تماسكه غير استمرار ذوبانه.
ذكيٌ، شاطرٌ، و ولهان . يعتقد ان مهمته الأولى، والأزلية، هي مراقبة
الأحلام على الشاطئ. ليحملها، حين تنام، إلى مراكبها. مدّعٍ: يزعم انه
يعرف رمل الطريق، رملة رملة، ولا يتورع عن ادعاء تفتيشه للأحلام، قبل أن
تصل إلى كرى أصحابها.
وشاطرٌ: يفتح لغته وحديثه على العجز. عجزه أولاً، وعجز الآخرين ثانياً.
اعتراف بعجز، لا للتواضع، بل لينُشب شهوته في اللحظة الممكنة، أو
المتوهمة. و ولهانٌ : يعرف كيف يسكن الأحلام والحكايا. يرحل بالقصة من
صاحبها وتفاصيله، لتصير حكايته. ومن فرط سرد خياله تصدق أنك استعرت قصتك،
وما عشته بنفسك، من خصب حكايته. فيصير هو الشمس وأنت ظلها: هو الصوت وأنت
الصدى: هو المسرح والخشبة والرواية، وأنت عتمة الفُرجة، وصمتها، بعد أن
استلب منك عروق الحكاية كلها.
نابهٌ: يمر بك، كشعاع، بين البخل والعفة فلا يعلق.
العفة فيه شبقٌ دائم، يُعلق ممارسته. والبخل فيه إدخار لطاقة لا يليق
هدرها. له فلسفة في الناس: فالفقير عنده هو وحده الذي يحب المال، لهذا
يهرب المال منه. والغني عنده هو من يعامل المال ب صقيع المرأة الباردة، ما
يجعل المال يُتيّم به ويلاحقه. والبخيل عنده هو وحده من يقدّر المال حق
قدره. أما هو، صاحبنا، فهو في مواجهة نفسه، كل هؤلاء، حين يريد. ولا أحد
منهم، حين يريد أيضاً.
ذاهلٌ، هو آخر الذاهلين وأولهم. لا أحد بعده ليطفئ عتمة الفراغ. على الفراغ. ولا أحد يليه، ليصفق باب الحرمان على الأرواح المنصدعة .
هل قلتُ صاحبي ؟ ربما. لكنه صاحبكم. وصاحب كل زمان: أصحابكم، ويمشون في
ظلالكم. ظلال تمشي في ظلال. تتلبس الأجساد. فتصير بها كائنات أخرى. تمشي
ولا تمشي. تتهكم بك على جديّة الأشياء. تخطف فرحك وبكاءك، وأنت تحدّق،
لتحيل حياتك ووقتك إلى هذيان.
كائنات رخوة، هي في الأصل خطايا ، مُسخت سهواً، فانسلّت في غفلة ودبّت على
أرض الناس. كائنات لا تستطيع رؤيتها، إلا إذا اختفت عن ناظريك. أو كفّت
هي، من تلقاء ذاتها، عن حركتها أو رخاوتها..(!؟).
FAFIEH@YAHOO.COM