rafeeeo Administrator
عدد الرسائل : 637 العمر : 33 البلد : المريخ الوظيفة : من هالشعب الهوايات : reading , sports تاريخ التسجيل : 19/06/2007
| موضوع: عام الجراد في مادبا .. و ذاكرة الأردن الأحد أغسطس 05, 2007 11:16 pm | |
| عام الجراد في مادبا.. وذاكرة الأردن
يتحدث "إدوارد تشمبرلين" في كتابه "إن كانت هذه أرضك فأين هي قصصك" عن الدور الذي تلعبه الأغاني والقصص واللغة في تكوين هوية الشعوب وحفظ تاريخها، وهو ما يطلق عليه "التاريخ الشفهي" للمجتمعات الذي تتناقله الأجيال كذاكرة تبقى حية في وجدان أبنائها تعمق صلتهم وارتباطهم بأرضهم. ويورد "تشمبرلين" حادثة لقاء أحد شيوخ القبائل الهندية في لقاء مع وفد حكومي في غرب كندا حين قال له الوفد: هذه الأرض للحكومة، فقال الزعيم الهندي - بعد صمت طويل- لرئيس الوفد "إن كانت هذه أرضك فأين هي قصصك؟!". سؤال الزعيم الهندي هو الذي يظهر لنا –كأردنيين- قيمة العمل الرائع الذي يقوم به الباحث الأردني المجتهد محمد رفيع من خلال جهد فردي متواصل ومتراكم، يحاول من خلاله القيام بعمل ضخم وكبير وهو بناء ذاكرة الأردن وتوثيق حياته الاجتماعية والثقافية في فترة النشأة والارتقاء، وهو تاريخ يعاني من الإهمال والتجاهل، ولم يجد إلى الآن مشروعا وطنيا يتولى عملية توثيقه وحمايته من الاندثار والضياع. وقد سبق لمحمد رفيع أن أصدر ثلاثة أجزاء من كتابه "ذاكرة المدينة"، والذي وإن احتوى على توثيق عقود الإيجار في عمان منذ الثلاثينات إلى الخمسينات من القرن المنصرم، إلاّ أن أهميته لا تكمن فقط في وظيفته التوثيقية، وإنما في اعتباره مادة أرشيفية ومصدرا لا غنى عنه لأي عمل أدبي أو روائي يتحدث عن تاريخ عمان والأوضاع الاجتماعية والأسر والأمكنة وتطورها خلال العقود الأولى من عمر الإمارة والمملكة. في هذا السياق من العمل الدؤوب يقدم لنا رفيع كتابه الجديد "عام الجراد في مادبا 1930" (الصادر عن مركز الرأي للدراسات والمعلومات)، وهو عمل متميز بكل الأبعاد سواء في مستوى الإخراج الفني أو تحقيق المخطوطة المرهق والمضني والذي أضاف رفيع فيه إلى النص توثيقا للناس والعشائر والأمكنة والأحداث جعل للهامش قيمة موازية للنص، فظهر العمل منهجيا، أضفت عليه مقدمة العلاّمة الأردني محمد عدنان البخيت قيمة إضافية وأهمية أخرى. ولم يخطئ البخيت عندما وصف جهود محمد رفيع بأنها بمثابة "بناء عمارة للتاريخ الاجتماعي للأردن"، وهي شهادة من أحد أبرز مؤرخي وقادة الفكر في الأردن لهذا العمل ولصاحبه، الذي يتسلل إلى ما يمكن الوصول إليه من وثائق ومذكرات ويوميات وأوراق نسيها الزمن واستسلمت للغبار حينا طويلا من الدهر ليجعلها جزءا من مشروع عمره توثيق تاريخ الأردن الاجتماعي والثقافي. وعودة إلى عام الجراد، فهو مخطوط من أوراق المسؤول الأردني سامح حجازي (1898-1970) الذي تنقّل في عدة مناصب رسمية وخدم الدولة في كثير من الوظائف سواء في العديد من الإدارات المحلية، أو العمل الدبلوماسي الخارجي (أول سفير لنا في بغداد)، أو مؤسسات أخرى كالبريد والمعارف. ويتضمن الكتاب جزءاً من أوراقه ويومياته عندما كان "قائم مقام قضاء مأدبا"، فيصف فيها عملية مكافحة الجراد ودوره كمسؤول ودور العشائر ورجالها والآليات التي استخدمت في القيام بهذا العمل الخطير، الذي كان يهدد الاقتصاد الوطني الزراعي؛ حين كان الناس يعتمدون في حياتهم على إنتاجهم الذاتي. كما يتضمن الكتاب جزءا مهما من تاريخ الأردن -كما يقرأه حجازي- يحققه ويقدمه رفيع بالإضافة إلى مخطوطة "عام الجراد". كما تبدو أهمية الكتاب من خلال النص الموازي الذي يمكن أن يقدمه القارئ المتخصص والمثقف لنص محمد رفيع الذي تعمد صاحبه أن يكون محايدا، وبعيدا عن التلوين الفكري والسياسي والأيدلوجي، وهي السمة المتميزة التي يمكن أن نلتقطها في كل أعمال محمد رفيع التوثيقية، وبلا شك فإن سمة الحياد والموضوعية المنهاجية تضفي على النصوص مصداقية وقيمة تاريخية كبيرة. ستشكل جهود محمد رفيع "همزة وصل" بين الأردن الحديث وهويته وتاريخه وعمرانه وبين الأجيال القادمة التي ستعود إليها عندما تتعرض هويتها لهزات أو أسئلة تستفز ذاكرتها الوطنية، فتجد جزءا حيويا من هذه الذاكرة في كتب محمد رفيع، لم تستطع أن تصل إليها أسراب الجراد!.
محمد أبو رمان - جريدة الغد الأردنية | |
|