أمنيات في زمن القحط

أمنيات في زمن القحط

كتب رفيق نصرالله

كنت اتمنى ان اكون شاعراً....

لكن المتنبي... وان لا اطلب من سيف الدولة

ضيعاً ومزارع... بل بلاطاً يتسع للغضب

وسيفاً يليق بالشعر

كنت اتمنى ان اكون مطرباً...

لكن محمد عبد الوهاب...

حين لحّن الوطن الأكبر

عندما كنا نـحلم بالوطن الأكبر

وقبل ان يعين لواءً...

بقرار جمهوري في زمن الانفتاح...

كنت اتمنى ان اكون كاتباً

لكن محمد الماغوط وليس مجرد صعلوك

برتبة مثقف في فضائية معلبة

كنت اتمنى ان اكون زعيماً

كجمال عبد الناصر...

في روحه بركان

وفي صوته قيامة...

وليس (زمكاً من زماميك) المرحلة

كنت اتمنى ان اكون قائداً... عسكرياً....

لكن بمستوى الجنرال جياب....

لا يضع نجوماً مُذَهبة ولا نياشين السلطان...

وأكون صديقاً للغابات وعدواً لكاميرات التصوير

كنت اتمنى ان اكون شهيداً

بمستوى ذلك المجهول

الذي مات ولم يعلق صورته على جدار في العاصمة

لكنهم تركوا فوق شاهد قبره رسماً يشبه رجلاً

كنا نراه امامنا في كل تظاهرة

كنت اتمنى ان اكون فناناً تشكيلياً

بمستوى فان غوغ

وهو مستعد ليقطع أعز ما يملك )أذنه( من اجل حبيبته

كنت اتمنى ان اكون جداراً...

مجرد جدار حول حديقة...

يسكنه الورد...

ولا يبول عليه احد... لا يكتب فوقه شعار

أو تلصق عليه صورة سعدان من سعادين هذا الزمن

كنت اتمنى ان اكون مقاولاً

لأبني جسوراً ومكتبات وابنية

يسكنها من أحب من أبناء وطني البسطاء

وغير مسكونة بالاسمنت المغشوش

والساحات المدّعية...

كنت اتمنى ان اكون قاضياً

لكي افتح كل الملفات واعلق كل السفلة على الاعمدة وهم عراة

لأكشف كل عوراتهم

كنت اتمنى ان اكون وطنياً... قومياً... عروبياً...

ويقيني في يميني...

بأن عدواً واحداً امامي وليس زبانية المذاهب والأزقة

كنت اتمنى ان أكون طياراً يشتبك ولو لمرة واحدة مع طائرة

اسرائيلية... مرة واحدة...( على فكرة 85 بالمئة من الطيارين العرب أدوا خدمتهم

العسكرية طوال 25 عاماً ولم يشتبكوا مع أحد إلا مع زوجاتهم)

كنت اتمنى ان اكون كلباً

لكن ليس على مزابل ساسة المراحل ...

لأن بقاياهم مسمومة ومشبوهة... مثل طعامهم

مجرد كلب جربان في أحد مضارب العرب ...

يشهد كم سيضاجع شيخ القبيلة من نساء...

كنت اتمنى ان اكون ديكاً

لأوقظ الصبح في عيون المدينة كي ترى الفجر

بعد ان صارت تستيقظ قبل الغداء قليلاً...

حيث يكون الاسرائيليون قد أنهوا مجزرة الصباح في اي )شقفة( من غزة

فأتثاءب...وأقول (أوف... واللّه كتير هيك)...ثم أنام...وأنام...وأنام...

كنت اتمنى لو خلقت في قفا

المحيط الهادئ...لأتقاسم الغابة انا والوحش

ونتوزع النهر انا والتمساح

لأنهما سيكونان أرحم من أولاد البشر .......!

الذين يمسكون برقابنا هذه الايام كما في كل الايام...

كنت اتمنى ان اكون صحافياً

لكن بمستوى محمد حسنين هيكل

ولست مجرد صرصو قبيّض... كتّيب تقارير

سكين جدول... حبيّب مصالح... وقيف مراحل

وجهه كما قلمه يبخ أجود انواع السموم والفتن

كنت اتمنى ان اكون مزارعاً.... بسيطاً

بمستوى ذلك الفلاح الصيني

الذي لا يرفع رأسه من تراب الحقل

الا عندما يقبض على حبات الارز

ويعرف ان من سيأكل هذا الارز هم ابناء بيته وليس زبائن السوق

كنت اتمنى ان اكون طبيباً

بمستوى الطبيب القديس

الذي تسكن الرحمة قلبه ووصفاته الطبية

ويجول في القرى ليتفحص الأجساد

المتعبة أو الاطفال الذين لم

يصل اليهم بعد حليب الحكومة

كنت اتمنى ان اكون شرطي سير

لكن بمستوى ابو وجيه الذي

قبض على الشارع بيديه وجعله

كما الصراط المستقيم... ولم يخش من زعران المواكب

كنت اتمنى ان اكون بائع صحف على رصيف

بمستوى ابو ابراهيم دكروب

الذي كان يقرأ كل الصحف قبل

ان يبيعها ليعرف على من

سيبصق هذا الفجر قبل ان تتلوث المدينة بما

يكتب المرتزقة

كنت اتمنى ان املك محطة تلفزيونية

لا يسكنها أبطال المراحل ...

ويطل عليك بطل بلقب (جزار سابق)

ليحدثك عن الوطن ... كنت اتمنى ان املك شاشة...

لا تتحدث منها الحسناوات

من تحت الجوانح والافخاذ بهدف

تعميم ثقافة الواقع.

كنت اتمنى ان اكون مهندساً

لأبني نوافذ وشرفات لا تزدحم

فوقها حبال الغسيل وكلسون ابو عدنان

مجلة الرأي الاخر

يسلمو ايديك على هل موضوع الجميل

و إيديك !

روعة !